الأحد، يناير 02، 2005

المحطة الثامنة

:حبيبتي المغتربة
رحلت و طال غيابك عنا........ و ما عدت. و صار الشوق فينا بطول المسافة للقمر و بطول أيام الضجر،صار يحيينا و يفنينا و ما هلت علينا تلك الصورة الحلوة، تلك البسمة الهادئة النشوى، ذلك الوجه الملائكي الأحلى من القمر....أنت يا أمي من علمت القمر كيف يضيء
و أعطيته من سحرك، من هدوئك و سكينتك... أنت من نزعت عنه غبار السنين و فرشت لنا الدرب نحو الغيمات لكي نزرع فيها أحلامنا فتمطر الدنيا 
و يخضر الشجر، أنت من علمت الشجر كيف يخضر و يورق
ثم يثمر، و علمت الطير كيف يبني أعشاشه فوق الشجر، أنت نصحت الشمس بأن تمشّط شعورها الذهبية كل صباح
لتبدو أحلى و أجمل، تمنيتِ لليل أحلاما وردية حتى صباح جديد
...........
و رحلت فجأة.........بغتة...........فتركت الكون معلقا ينتظر الإذن ليولد من جديد ..... لكنه أصبح عاجزا على أن يكون، أصبح لا يقدر على العودة من جديد لأنك أنت أيضا احترفت الذهاب بدون عودة، أنت احترفت الهجران
و الرحيل و نحن احترفنا الانتظار في كل محطات العالم، عسى أن تكوني من بين المسافرين العائدين، عسى أن نراك بحقيبة السفر
..
و ما عدت .......فما كنتِ.. وما ...... كنا .............................................................
فكيفك؟... كيفك بعد الهجر و البين، كيفها معك الأيام يا أمي ، كيفها إطلالة الشمس على محياك ؟ و بسمة الصبح تعلو ثغرك الهادئ؟ كيفك يا سنونوة جذلى تلملمنا ، تدغدغنا، فيحلو قربها التخييم و النجوى
أما زلت كما كنت ؟....كما أنت؟....كما النور إذا يسري؟ كما الشعر كما النثر، كما البداهة
.......
هل تساءلتم يوما لماذا تشرق الشمس كل صباح ، لماذا تزقزق الطيور ، 

و لماذا يأتي الربيع؟؟؟؟؟
لأن الأمر بديهي... طبيعي... لكن أن يأتي الربيع و الصيف و الخريف 

و الشتاء..... أ ن يبقى البديهي بديهيا و أن تصيري أنت استثناء فهذه بلاهة.... هذه لخبطة لكل القوانين والنواميس الكونية ...................................
أما زلت تحتضنين العالم بحنوك المعهود بحبك الذي يفيض على الكون فتزهر في كل قلب عريشة فل و ياسمين
و مانوليا...................و تحصد كل القلوب خيرات حبك الرباني .... إلا قلبك و هذا استثناء أيضا فهو ما حصد إلا الضنى و الألم .... قلبك يا أميمتي أعطانا الحياة و حصد الأفول ، علمنا البسمة و ترك لنفسه دموع كل البشر ، واسانا بالـأمل فأعطى لطيورنا أجنحة و علمها التحليق في الأعالي و ترك لنفسه العصافير الجريحة يضمد أجنحتها
و يعيد لها الأمل لكنه ما جنى إلا اليأس.... أعطانا الإذن لندخل التاريخ 
و الحدود و رحل هو إلى مكان لا تاريخ و لا حدود....أسكننا تحت خمائله وعطرنا بروائحه فأنتشينا و نسينا .... غمرة غرورنا أنستنا أن نعطي لهذا القلب الأمين من قلوبنا ، ذاب من أجلنا مبتسما متشامخا متماسكا ، حتى اليوم الذي اكتشفنا فيه كم ......كنا مغفلين !!!! حتى اليوم الذي سكنت فيه دقات ساعات الكون .... حتى اليوم الذي تهاوى فيه ذلك الصرح.... و آثر الرحيل ، فغابت كل الأيام و اعتذرت كا النجوم عن اللمعان و تاهت خيوط الشمس و لم تعد تقدر أن تفك سبائكها الذهبية ، حتى الطيور لم تعد تقدر على تحريك أجنحتها و نسيت تماما كيف تزق فراخها و تهاجر في الشتاء
.....
الشتاء أيضا عاد و آثر البقاء.... اضطر للبقاء فهو لم يعد يذكر طريق العودة ، تجمد الكون بثلوجه وسكنت كل السمفونيات
......

ليست هناك تعليقات: